الحوار المجتمعي في شمال سنجار

USIP.org نشر في 11 نيسان\ابريل 2024 على موقع

في عام 2014، ارتكب داعش أبشع جرائمه في قضاء سنجار بمحافظة نينوى، بما في ذلك الإبادة الجماعية ضد الإيزيديين وأخذ آلاف النساء كسبايا. استغل داعش أفرادا من قبائل ومجتمعات مختلفة ضد بعضهم البعض، ونتيجة لذلك اتُهمَت قبائل ومجتمعات كاملة بسبب جرائم البعض من افرادها. بعد مرور عشر سنوات، لا يزال جزء كبير من سنجار مدمرا ولا تزال جراح شعبها، وخاصة الايزيدين، تنزف حيث لا يزال الآلاف من النساء والفتيات والرجال الذين اختطفهم تنظيم داعش في عداد المفقودين. ولا يزال مئات الآلاف من الايزيديين نازحين، ولا تزال عوائل الضحايا والمجتمع الإيزيدي بأكمله بانتظار تحقيق العدالة بحق المتورطين بجرائم داعش.

يشرح سرهنك حمه سعيد من معهد الولايات المتحدة للسلام (USIP)كيف يسر المعهد حوارات في شمال سنجار لمنع العنف المجتمعي وتجسير العلاقات بين المجتمعات المحلية وبين المجتمعات والحكومة. أدت الحوارات في النهاية إلى انفراجة، وفي مارس\اذار 2024، وقع قيادات مجتمعية من المكون الايزيدي والمكون العربي في المنطقة وثيقة لنبذ العنف، واللجوء الى القانون لتسوية النزاعات ونيل الحقوق، وتدعو الوثيقة الحكومة العراقية إلى السعي لتحقيق العدالة وإعادة بناء المنطقة.

كانت الحوارات جزءا من عمل المعهد المستمر في العراق. كما أجرى المعهد أبحاثا حول النظرة المحلية تجاه السلام والنزاع والحوكمة واستضاف مؤخرا معرض "لا أحد يستمع"، وهو معرض لإحياء ذكرى الإبادة الجماعية لايزيديين، في مقرنا الرئيسي في واشنطن العاصمة.

نص الفيديو

سرهنك حمه سعيد، مدير برامج الشرق الأوسط، معهد الولايات المتحدة للسلام:

في هذا العام، عام 2024 يمر 10 سنوات على الإبادة الجماعية التي ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي ضد الإيزيديين في سنجار ومجتمعات أخرى في العراق.

وبعد مرور عشرة سنوات، لا تزال جراح المجتمع الإيزيدي على وجه الخصوص تنزف حيث لا يزال الآلاف من النساء والفتيات والرجال الذين اختطفهم تنظيم داعش في عداد المفقودين، ولا يزال مئات الآلاف من الإيزيديين نازحين، ولا تزال عوائل الضحايا والمجتمع الإيزيدي بأكمله بانتظار تحقيق العدالة بحق المتورطين بجرائم داعش البشعة.

في نفس الوقت لا يزال جزء كبير من سنجار مدمرا. تواجه قضاء سنجار تحديات بسبب تعدد القوات والجماعات المسلحة، والتنافس المحلي والإقليمي. درجة عقيدات سنجار كبيرة وقد أعاقت هذه التعقيدات تحقيق العدالة، عودة النازحين وأعادة بناء المنطقة وتوفير الخدمات والبنى التحتية، وتشكل تحديا للحوكمة والأمن والتعايش السلمي.

وعلى الرغم من وجود التحديات فقد حاولت الحكومات والمنظمات والمجتمع المدني وقادة المجتمع الآخرون مساعدة سنجار وأهلها على التعافي من الإبادة الجماعية. لقد تم احراز بعض التقدم، لكنه لا يزال متواضعا مقارنة بجراح واحتياجات سنجار واهلها.

إذا نظرنا الى السياق العام في العراق، وفي خضم الاحداث، فقد انخرط افراد من عشائر ومجتمعات مختلفة مع تنظيم داعش الذي استغلهم لزرع بذور الفتنة والشقاق ونتيجة لذلك اتُهمَت قبائل ومجتمعات كاملة بسبب جرائم البعض من افرادها. حدث هذا في سنجار وتلعفر وتكريت ومناطق أخرى من العراق. بالإضافة الى المطالبة بالعدالة فيما يخص جرائم داعش، هنالك مطالبات مجتمعية بالتعويضات عن الاضرار والدمار الذي لحق بهم جراء العمليات العسكرية التي حدثت ابان تحرير المناطق.

في هذا السياق، نظرا لما يمتلكه معهد الولايات المتحدة للسلام من خبرة في العراق وفي بناء السلام، الحكومة العراقية وقادة المجتمع على الدوام طلبوا العون من المعهد لمنع العنف المجتمعي، وتجسير العلاقات المجتمعية والعلاقات المجتمعية - الحكومية، وحل المشاكل من خلال الحوار وتعزيز التعايش السلمي.

قاد معهد السلام وشركاؤه العراقيون حوارات بين زعماء العشائر وغيرهم من قادة المجتمع من صلاح الدين والمحافظات الجنوبية بعد مجزرة سبايكر عام 2014، وكذلك بين قادة المجتمع في الحويجة جنوب غرب كركوك في عام 2015، وفي تلعفر وسهل نينوى بعد ذلك.

فيما يخص سنجار، لفترة طويلة كنا نُسأل إذا كان بإمكاننا تيسير عملية حوارية في سنجار. قبل وبعد تحرير سنجار، قام المعهد بتقييم الوضع عدة مرات، وتم الخروج بخلاصة إلى أن تعقيدات سنجار لا تسمح بالنجاح وقد تؤدي إلى التسبب في ضرر. كنا على يقين من أننا لا نستطيع العمل على جميع مناطق سنجار والجهات الفاعلة والقضايا فيها. لذا ارتأينا عدم التدخل.

استمر قادة المجتمع في إبلاغ المعهد بأن التوترات المجتمعية لا تزال قائمة، وهناك انعدام للثقة، فأذا حصل جريمة ضد ايزيدي فأصابع الاتهام تتوجه نحو العرب، وإذا حصل جريمة ضد عربي فأصابع الاتهام تتوجه نحو الإيزيديين، وذكروا بانه يتم استغلال الانقسامات المجتمعية سياسيا، والخدمات متعثرة الى اخره من المشاكل. كل

هذا كان يشير إلى أنه على الرغم من حقيقة أن هناك تاريخ مشترك يجمع الإيزيديين والعرب والمجتمعات الأخرى وتعايشوا في سلام من قبل، ولكن تسبب داعش بوضوح في احداث شرخ كبير في اللحمة المجتمعية وكانت هناك الحاجة إلى المعالجة.

نظرا للطلبات المستمرة المقدمة إلى المعهد وبعد الدراسة، اخترنا شمال شرق سنجار، لان شمال شرق سنجار الأقل تعقيدا في المنطقة (القضاء). اعتقدنا أنه إذا لم ينجح الحوار هناك، فسيكون النجاح أصعب في المناطق الأخرى من القضاء.

على طول الوقت، كنا نسمع بالتحديات التي واجهتها منظمات اخرى والتي جربت مقارباتها، مثلا في جنوب سنجار، وقالوا لنا بأنهم لم ينجحوا.

أشارت الخطوات الأولية إلى أن منهجية معهد السلام قد يؤتي ثماره، لكن ظل التقدم محدودا.

خلال العام الماضي، وسع المعهد فريق العمل ليشمل شريكه العراقي القديم جمعية التحرير للتنمية وأعضاء آخرين في شبكة الميسرين العراقيين. نفذ فريق العمل عملية حوارية من خمس مراحل، شارك فيها قادة المجتمع الإيزيدي والعربي من مختلف أنحاء شمال سنجار.

وركزت المراحل الأولية من العملية الحوارية على مجمعي كوهبل وبورك والقرى المحاذية لهما، حيث تم تيسير حوار إيزيدي-إيزيدي وعربي- عربي. ومن خلال هذه الحوارات، الشيوخ والوجهاء كانوا واضحين مع بعضهم البعض في أنهم يسعون إلى تحقيق العدالة، وليس المصالحة، وانهم يريدون تحسين الخدمات والعيش بسلام في مناطقهم، وان الحوار لم يكن سياسيا.

توصل القادة إلى أرضية مشتركة وأرادوا حلولا عملية. وبناء على هذا النجاح وهذا التقدم، توسعت العملية الحوارية لتشمل مناطق أخرى في شمال سنجار، مما أدى إلى وصول كل مكون إلى أرضية مشتركة على مستوى أوسع من مجمعي كوهبل وبورك. وقد تم فتح قنوات التواصل بين القادة.

تُوجَت مرحلتا الحوار الداخلي في كل مكون على حده والحوار بين المكونين في نهاية المطاف بإعلان وثيقة الوئام المجتمعي في شمال سنجار الذي وقع من قبل 40 من قادة المجتمع والوجهاء وشيوخ العشائر في 30 آذار/مارس 2024.

أعلن القادة المجتمع التزامهم بنبذ العنف والتطرف، ودعم عمل الدولة ومؤسساتها، واللجوء إلى القانون لتسوية الخلافات والنزاعات ونيل الحقوق.

كما تدعو الوثيقة الجهات الحكومية إلى توحيد التشكيل الإداري والأمني في سنجار والإسراع في إعادة البناء وعملية تعويض أولئك الذين فقدوا أقاربهم في النزاع مع داعش أو خلال العمليات العسكرية.

وشارك في المراسم مسؤولون كبار من الحكومة الاتحادية العراقية من مستشارية الامن القومي، جهاز الامن الوطني وزارة الهجرة والمهجرين، وكذلك من حكومة إقليم كردستان وحكومة محافظة نينوى، والجميع عبروا عن دعمهم للوثيقة. وشارك محافظ نينوى شخصيا في مراسم توقيع الوثيقة ووقع الوثيقة بنفسه.

 سعيد الجياشي، مستشار الشؤون الستراتيجية، مستشارية الامن القومي العراقي:

في حسابات الدولة، وانا أمثل مستشارية الامن القومي في هذا الحديث، المجرم سينال جزاءه كان من كان، اليوم او غدا او بعد غد. ولكن البوصلة والحمد لله العراق الان يتعافى، ونينوى تتعافى وشمال سنجار يتعافى، ونأمل ان نراكم في سنجار وفي شمال سنجار.

عبدالقادر الدخيل، محافظ نينوى:

العراق بلد الحضارات، بلد القانون. لا نقول عفا الله عما سلف. المجرم ينال جزاءه وفق القانون العراقي. ولكن لابد للحياة ان تستمر. فنحن كحكومة محلية وبالتعاون مع الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم سنبذل كل الجهود التي من شأنها تقديم كل الدعم اللوجيستي والخدمات الحقيقية، ونجير كل ما لدينا من اجل خدمة أهلنا من العرب ومن الايزديين والمسلمين في منطقة شمال سنجار.

سرهنك حمه سعيد:

العمل لم يكن سهلا، كانت هناك تحديات أثناء عملية الحوار وبعد إعلان وثيقة الوئام المجتمعي. هناك من نظر إلى الحوار وفسر "الوئام المجتمعي" على أنه يعني "المصالحة" أو التخلي عن حقوق الضحايا او التخلي عن العدالة أو مسامحة مرتكبي جرائم داعش أو قالوا بان الموقعين لا يمثلون كل الناس أو أن الاتفاق لا يشمل كل احتياجات سنجار. وقيل بانه تم المساواة بين الجرائم والجروح وهناك محاولة لتبيض صورة مرتكبي الجرائم.

كل هذا الكلام ظلم بحق الضحايا واهل الضحايا أولا ثم المشاركين في الحوار والمنظمين واخرين الذين يدعمون العمل. لان كل هذه التصورات غير صحيحة.

في الحقيقة أن قادة شمال سنجار لم يعرضوا أو يطلبوا المصالحة ولم يكن المصالحة موضوع الحوار. وفي موضوع التمثيل القادة كانوا واضحين جدا أنهم لا يمثلون الضحايا أو كل سنجار. كان تقديم مجرمي داعش إلى العدالة دائما مطلبا رئيسيا، وكان ضمان وتسريع التعويضات لعائلات الضحايا اولوية آخرى.

اتفق المشاركين من الطرفين على أهمية هذه المظالم، ونبذ العنف، والبحث عن الحقوق والحلول من خلال سيادة القانون ومؤسسات الدولة. كانت العملية عبارة عن حوار مجتمعي حول قضايا المجتمع والوصول الى المشتركات وليس حوارا أو اتفاقا سياسيا. لقد أظهر قادة المجتمع شجاعة كبيرة من خلال المشاركة في عملية الحوار، عملوا بشفافية، وعملوا على توفير أساس يمكن البناء عليه لتحسين الأوضاع في مناطقهم.

بالإضافة الى الحوار، دعم معهد الولايات المتحدة مبادرات أخرى مثل مرصد النزاع وعمليات الاستقرار لنقل صوت المجتمع السنجاري إلى الحكومة العراقية والمجتمع الدولي. واستضاف المعهد معرض "لا أحد يستمع"، بالانكليزية "Nobody’s Listening"، في مكتبه الرئيسي في واشنطن العاصمة لمدة ثلاثة شهور حتى شباط 2024. يُحيي المعرض ذكرى الإبادة الجماعية التي ارتكبها داعش ضد الإيزيديين.

كما استضاف المعهد مناقشات عامة للتذكير في الذكرى السنوية العاشرة للإبادة الجماعية لداعش بأن العبء الثقيل للدمار المادي والاجتماعي الذي خلفه التنظيم الإرهابي وراءه لم ينته بعد.

يتطلب الوضع في سنجار والتأثير المستمر للإبادة الجماعية على الإيزيدية بالخصوص اهتماما خاصا وعملا مستمرا.

Previous
Previous

Baghdad Is Ready for a New Chapter in U.S.-Iraq Relations

Next
Next

Community Dialogue in Northern Sinjar